فصل: تفسير الآيات (116- 120):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (116- 120):

{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}
{وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله} الجمهور على أن هذا السؤال يكون في يوم القيامة دليله سياق الآية وسباقها. وقيل: خاطبه به حين رفعه إلى السماء دليله لفظ {إذ} {قَالَ سبحانك} من أن يكون لك شريك {مَا يَكُونُ لِي} ما ينبغي لي {أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} أن أقول قولاً لا يحق لي أن أقوله {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} إن صح أني قلته فيما مضى فقد علمته، والمعنى: أني لا أحتاج إلى الاعتذار لأنك تعلم أني لم أقله ولو قلته لعلمته لأنك {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} ذاتي {وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ذاتك. فنفس الشيء ذاته وهويته والمعنى: تعلم معلومي ولا أعلم معلومك {إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} تقرير للجملتين معاً لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ولأن ما يعلم علام الغيوب لا ينتهي إليه علم أحد.
{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ} أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني به. ثم فسر ما أمر به فقال: {أَنِ اعبدوا الله رَبّي وَرَبَّكُمْ} ف {أن} مفسرة بمعنى (أي) {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} رقيباً {مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} مدة كوني فيهم {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} الحفيظ {وَأَنتَ على كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} من قولي وفعلي وقولهم وفعلهم {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} قال الزجاج: علم عيسى عليه السلام أن منهم من آمن ومنهم من أقام على الكفر فقال في جملتهم {إن تعذبهم} أي إن تعذب من كفر منهم فإنهم عبادك الذين علمتهم جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك وأنت العادل في ذلك فإنهم قد كفروا بعد وجوب الحجة عليهم، وإن تغفر لهم أي لمن أقلع منهم وآمن فذلك تفضل منك، وأنت عزيز لا يمتنع عليك ما تريد، حكيم في ذلك، أو عزيز قوي قادر على الثواب، حكيم لا يعاقب إلا عن حكمة وصواب.
{قَالَ الله هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ} برفع اليوم والإضافة على أنه خبر هذا أي يقول الله تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين} فيه صدقهم المستمر في دنياهم وآخرتهم. والجملة من المبتدأ والخبر في محل النصب على المفعولية كما تقول (قال زيد عمرو منطلق)، وبالنصب: نافع. على الظرف أي قال الله هذا لعيسى عليه السلام يوم ينفع الصادقين صدقهم وهو يوم القيامة {لَهُمْ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ الله عَنْهُمْ} بالسعي المشكور {وَرَضُواْ عَنْهُ} بالجزاء الموفور {ذلك الفوز العظيم} لأنه باقٍ بخلاف الفوز في الدنيا فهو غير باقٍ {للَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا فِيهِنَّ} عظم نفسه عما قالت النصارى إن معه إلهاً آخر {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من المنع والإعطاء والإيجاد والإفناء، نسأله أن يوفقنا لمرضاته ويجعلنا من الفائزين بجناته، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

.سورة الأنعام:

مكية وهي مائة وخمس وستون آية كوفي أربع وستون بصرى

.تفسير الآيات (1- 12):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)}
{الحمد للَّهِ} تعليم اللفظ والمعنى مع تعريض الاستغناء أي الحمد له وإن لم تحمدوه {الذى خَلَقَ السماوات والأرض} جمع السموات لأنها طباق بعضها فوق بعض. والأرض وإن كانت سبعة عند الجمهور فليس بعضها فوق بعض بل بعضها موال لبعض. {جعل} يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله {وَجَعَلَ الظلمات والنور} وإلى مفعولين إن كان بمعنى (صير) كقوله {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} [الزخرف: 19] وفيه رد قول الثنوية بقدم النور والظلمة، وأفرد النور لإرادة الجنس ولأن ظلمة كل شيء تختلف باختلاف ذلك الشيء، نظيره ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الموضع المظلم يخالف كل واحد منها صاحبها، والنور ضرب واحد لا يختلف كما تختلف الظلمات، وقدم الظلمات لقوله عليه السلام: «خلق اللّه خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل» {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ} بعد هذا البيان {بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} يساوون به الاوثان، تقول عدلت بذا أي ساويته به، والباء في {بِرَبِّهِمْ} لا للكفر، أو ثم الذين كفروا بربهم يعدلون عنه أي يعرضرن عنه فتكون الباء صلة للكفر وصلة {يَعْدِلُونَ} أي عنه محذوفة، وعطف {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ} على {الحمد للَّهِ} على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق إلا نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته، أو على خلق السماوات على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه. ومعنى {ثم} استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته. {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ} {من} لابتداء الغاية أي ابتداء خلق أصلكم يعنى آدم منه {ثُمَّ قضى أَجَلاً} أي حكم أجل الموت {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ} أجل القيامة، أو الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت، والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ. أو الأول، والثاني الموت، أو الثاني هو الأول وتقديره: وهو أجل مسمى أي معلوم، و{أَجَلٍ مُّسَمًّى} مبتدأ والخبر {عِندَهُ} وقدم المبتدأ وإن كان نكرة والخبر ظرفاً وحقه التأخير لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة {ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} تشكون من المرية أو تجادلون من المراء. ومعنى {ثم} استبعاد أن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم {وَهُوَ الله} مبتدأ وخبر {السماوات وَفِي الأرض} متعلق بمعنى اسم الله كأنه قيل: وهو المعبود فيهما كقوله {وَهُوَ الذي فِي السماء إله وَفِي الأرض إله}
[الزخرف: 84] أو المعروف بالإلهية فيهما، أو هو الذي يقال له الله فيهما، والأول تفريع على أنه مشتق وغيره على أنه غير مشتق {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} خبر بعد خبر أو كلام مبتدأ أي هو يعلم سركم وجهركم {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} من الخير والشر ويثيب عليه ويعاقب، و{من} في {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ} للاستغراق وفي {مِّنْ ءايات رَبِّهِمْ} للتبعيض أي وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاعتبار {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} تاركين للنظر لا يلتفتون إليه لقلة خوفهم وتدبرهم في العواقب {فَقَدْ كَذَّبُواْ} مردود على كلام محذوف كأنه قيل: إن كانوا معرضين على الآيات فقد كذبوا {بالحق لَمَّا جَاءَهُمْ} أي بما هو أعظم آية وأكبرها وهو القرآن الذي تُحدوا به فعجزوا عنه {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أنباؤا مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} إي أنباء الشيء الذي كانوا به يستهزءون وهو القرآن أي أخباره وأحواله يعني سيعلمون بأي شيء استهزؤوا وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا، أو يوم القيامة، أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته.
{أَلَمْ يَرَوْاْ} يعني المكذبين {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ} هو مدة انقضاء أهل كل عصر وهو ثمانون سنة أو سبعون {مكناهم} في موضع جر صفة ل {قرن} وجمع على المعنى {فِي الأرض ما لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} التمكين في البلاد إعطاء المكنة والمعنى: لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا {وَأَرْسَلْنَا السماء} المطر {عَلَيْهِم مِّدْرَاراً} كثيراً وهو حال من السماء {وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ} من تحت أشجارهم والمعنى عاشوا في الخصب بين الأنهار والثمار وسقيا الغيث المدرار {فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ} ولم يغن ذلك عنهم شيئاً {وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ} بدلاً منهم {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا} مكتوباً {فِي قِرْطَاسٍ} في ورق {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} هو للتأكيد لئلا يقولوا سكرت أبصارنا ومن المحتج عليهم العمى {لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} تعنتاً وعناداً للحق بعد ظهوره {وَقَالُواْ لَوْلآ} هلا {أُنزِلَ عَلَيْهِ} على النبي صلى الله عليه وسلم {مَلَكٌ} يكلمنا أنه نبي فقال الله {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمر} لقضي أمر هلاكهم {ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون. ومعنى {ثم} بعدما بين الأمرين قضاء الأمر وعدم الإنظار، جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر لأن مفاجأه الشدة أشد من نفس الشدة {وَلَوْ جعلناه مَلَكاً} ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون تارة لولا أنزل على محمد ملك، وتارة يقولون ما هذا إلا بشر مثلكم ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة {لجعلناه رَجُلاً} لأرسلناه في صورة رجل كما كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعم الأحوال في صورة دحية، لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} ولخلطنا وأشكلنا عليهم من أمره إذا كان سبيله كسبيلك يا محمد، فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة الإنسان هذا إنسان وليس بملك.
يقال لبست الأمر على القوم وألبسته إذا أشبهته وأشكلته عليهم.
ثم سلى نبيه على ما أصابه من استهزاء قومه بقوله {وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزئون به وهو الحق حيث أهلكوا من أجل استهزائهم به و{منهم} متعلق ب {سخروا} كقوله {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} [التوبة: 79] والضمير للرسل والدال مكسورة عند أبي عمرو وعاصم لا لتقاء الساكنين، وضمها غيرهما إتباعاً لضم التاء {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} والفرق بين فانظروا وبين {ثُمَّ انظروا} إن النظر جعل مسبباً عن السير في {فانظروا} فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين. ومعنى {سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا} إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها وإيجاب النظر في آثار الهالكين على ذلك ب {ثم} لتباعد ما بين الواجب والمباح {قُل لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض} {من} استفهام و{ما} معنى الذي في موضع الرفع على الابتداء و{لمن} خبره {قُل لِلَّهِ} تقرير لهم أي هو لله لا خلاف بيني وبينكم، ولا تقدرون أن تضيفوا منه شيئاً إلى غيره {كَتَبَ على نَفْسِهِ الرحمة} أصل كتب أوجب ولكن لا يجوز الإجراء على ظاهره إذ لا يجب على الله شيء للعبد، فالمراد به أنه وعد ذلك وعداً مؤكداً وهو منجزه لا محالة. وذكر النفس للاختصاص ورفع الوسائط، ثم أوعدهم على إغفالهم النظر وإشراكهم به من لا يقدر على خلق شيء بقوله {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} فيجازيكم على إشراككم {لاَ رَيْبَ فِيهِ} في اليوم أو في الجمع {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} نصب على الذم أي أريد الذين خسروا أنفسهم باختيارهم الكفر {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وقال الأخفش: {الذين} بدل من {كم} في {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} أي ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم والوجه هو الأول لأن سيبويه قال: لا يجوز (مررت بي المسكين ولا بك المسكين) فتجعل (المسكين) بدلاً من الياء أو الكاف لأنهما في غاية الوضوح فلا يحتاجان إلى البدل والتفسير.

.تفسير الآيات (13- 26):

{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)}
{وَلَهُ} عطف على {لِلَّهِ} {مَا سَكَنَ فِي اليل والنهار} من السكنى حتى يتناول الساكن والمتحرك أو من السكون ومعناه ما سكن وتحرك فيهما فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر كقوله {تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 82] أي الحر والبرد، وذكر السكون لأنه أكثر من الحركة وهو احتجاج على المشركين لأنهم لم ينكروا أنه خالق الكون ومدبره {وَهُوَ السميع العليم} يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان.
{قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً} ناصراً ومعبوداً وهو مفعول ثان ل {اتخذ} والأول {غَيْرَ} وإنما أدخل همزة الاستفهام على مفعول {اتخذ} لا عليه لأن الإنكار في اتخاذ غير الله ولياً لا في اتخاذ الولي فكان أحق بالتقديم {فَاطِرَ السماوات والأرض} بالجر صفة لله أي مخترعهما. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما عرفت معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} وهو يرزق ولا يرزق أي المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الانتفاع {قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} لأن النبي سابق أمته في الإسلام كقوله: {وبذلك أُمِرْتُ وَأَنتَ أَوَّلُ المسلمين} [الأنعام: 163] {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} وقيل لي لا تكونن من المشركين ولو عطف على ما قبله لفظاً لقيل: وأن لا أكون، والمعنى: أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك {قُلْ إِنّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي إني أخاف عذاب يوم عظيم وهو القيامة إن عصيت ربي فالشرط معترض بين الفاعل والمفعول به محذوف الجواب {مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ} العذاب {يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} الله الرحمة العظمى وهي النجاة.
{مَّن يُصْرَفْ} حمزة وعلي وأبو بكر. أي من يصرف الله عنه العذاب {وَذَلِكَ الفوز المبين} النجاة الظاهرة {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ} من مرض أو فقر أوغير ذلك من بلاياه {فَلاَ كاشف لَهُ إلا هُوَ} فلا قادر على كشفه إلا هو {وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} من غنى أو صحة {فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} فهو قادر على إدامته وإزالته {وَهُوَ القاهر} مبتدأ وخبر أي الغالب المقتدر {فَوْقَ عِبَادِهِ} خبر بعد خبر أي عال عليهم بالقدرة. والقهر بلوغ المراد بمنع غيره من بلوغه {وَهُوَ الحكيم} في تنفيذ مراده {الخبير} بأهل القهر من عباده.
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شهادة} {أَيُّ شَيْء} مبتدأ و{أَكْبَرُ} خبره و{شَهَادَةً} تمييز و(أي) كلمة يراد بها بعض ما تضاف إليه، فإذا كانت استفهاماً كان جوابها مسمى باسم ما أضيفت إليه.
وقوله {قُلِ الله} جواب أي الله أكبر شهادة ف {الله} مبتدأ والخبر محذوف فيكون دليلاً على أنه يجوز إطلاق اسم الشيء على الله تعالى، وهذا لأن الشيء اسم للموجود ولا يطلق على المعدوم والله تعالى موجود فيكون شيئاً ولذا نقول الله تعالى شيء لا كالأشياء. ثم ابتدأ {شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} أي هو شهيد بيني وبينكم، ويجوز أن يكون الجواب {الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} لإنه إذا كان الله شهيداً بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذا القرءان لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ} أي ومن بلغه القرآن إلى قيام الساعة في الحديث: «من بلغه القرآن فكأنما رأى محمد» صلى الله عليه وسلم و{من} في محل النصب بالعطف على {كم} والمراد به أهل مكة والعائد إليه محذوف أي ومن بلغه، وفاعل {بَلَغَ} ضمير القرآن {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ الله ءَالِهَةً أخرى} استفهام إنكار وتبكيت {قُلْ لا أشهد} بما تشهدون وكرر {قُلْ} توكيداً {إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} {ما} كافة {أن} عن العمل وهو مبتدأ و{إله} خبره و{واحد} صفة أو بمعنى الذي في محل النصب {إن} وهو مبتدأ وإله خبره والجملة صلة {الذي} و{واحد} خبر {إن} وهذا الوجه أوقع {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مّمَّا تُشْرِكُونَ} به.
{الذين ءاتيناهم الكتاب} يعنى اليهود والنصارى. والكتاب: التوراة والإنجيل {يَعْرِفُونَهُ} أي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته ونعته الثابت في الكتابين {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} بحلاهم ونعوتهم وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوته ثم قال: {الذين خسروا أنفسهم} من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} به {وَمَنْ أَظْلَمُ} استفهام يتضمن معنى النفي أي لا أحد أظلم لنفسه، والظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأشنعه اتخاذ المخلوق معبوداً {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِبًا} فيصفه بما لا يليق به {أَوْ كَذَّبَ بئاياته} بالقرآن والمعجزات {إِنَّهُ} إن الأمر والشأن {لاَ يُفْلِحُ الظالمون} جمعوا بين أمرين باطلين، فكذبوا على الله مالا حجة عليه وكذبوا بما ثبت بالحجة حيث قالوا: الملائكة بنات الله، وسموا القرآن والمعجزات سحراً.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} هو مفعول به والتقدير: واذكر يوم نحشرهم {جَمِيعاً} حال من ضمير المفعول {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} مع الله غيره توبيخاً، وبالياء فيهما: يعقوب {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} آلهتكم التي جعلتموها شركاء الله {الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أي تزعمونهم شركاء فحذف المفعولان {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} وبالياء: حمزة وعلي {فِتْنَتُهُمْ} كفرهم {إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبّنَا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} يعني ثم لم تكن عاقبة كفرهم الذي لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه إلا جحوده والتبرؤ منه والحلف على الانتفاء من التدين به، أو ثم لم يكم جوابهم إلا أن قالوا: فسمي فتنة لأنه كذب.
وبرفع الفتنة مكي وشامي وحفص؛ فمن قرأ {تَكُنْ} بالتاء ورفع الفتنة فقد جعل الفتنة اسم {تَكُنْ} و{أَن قَالُواْ} الخبر أي لم تكن فتنتهم إلا قولهم، ومن قرأ بالياء ونصب الفتنة جعل {أَن قَالُواْ} اسم {يَكُنِ} أي لم يكن فتنتهم إلا قولهم، ومن قرأ بالتاء ونصب الفتنة حمل على المقالة: {رَبَّنَا} حمزة وعلي، على النداء أي ياربنا وغيرهما بالجر على النعت من اسم الله {انظُرْ} يامحمد {كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ} بقولهم {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} قال مجاهد: إذا جمع الله الخلائق ورأى المشركون سعة رحمة الله وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجو مع أهل التوحيد فإذا قال لهم الله: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين، فيختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم {وَضَلَّ عَنْهُم} وغاب عنهم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} إلهيته وشفاعته {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} حين تتلو القرآن. روي أنه اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟ فقال: والله ما أدري ما يقول محمد ألا إنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية. فقال أبو سفيان: إني لأراه حقاً فقال أبو جهل: كلا فنزلت {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية جمع كنان وهو الغطاء مثل عنان وأعنة {أن يفقهوه} كراهة أن يفقهوه {وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا} ثقلا يمنع من السمع، ووحد الوقر لأنه مصدر وهو عطف على {أَكِنَّةً} وهو حجة لنا في الأصلح على المعتزلة {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حتى إِذَا جَاءُوكَ يجادلونك يَقُولُ الذين كَفَرُواْ} {حتى} هي التي تقع بعدها الجمل، والجملة قوله {إذا جاؤك يقول الذين كفروا} و{يجادلونك} في موضع الحال، ويجوز أن تكون جارة ويكون {إذا جاءوك} في موضع الجر بمعنى حتى وقت مجيئهم و{يجادلونك} حال و{يقول الذين كفروا} تفسير له، والمعنى أنه بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم يجادلونك ويناكرونك، وفسر مجادلتهم بأنهم يقولون {إِنْ هَذَآ} ما القرآن {إِلاَّ أساطير الأولين} فيجعلون كلام الله أكاذيب، وواحد الأساطير أسطورة.
{وَهُمْ} أي المشركون {يَنْهَوْنَ عَنْهُ} ينهون الناس عن القرآن أو عن الرسول واتباعه والإيمان به {ويَنْئَوْنَ عَنْهُ} ويبعدون عنه بأنفسهم فيضلون ويضلون {وَإِن يُهْلِكُونَ} بذلك {إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} أي لا يتعداهم الضرر إلى غيرهم وإن كانوا يظنون أنهم يضرون رسول الله وقيل: عنى به أبو طالب لأنه كان ينهى قريشاً عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وينأى عنه فلا يؤمن به والأول أشبه.